في ديوان "عرّاب الرّيح" للشّاعر عبد السّلام العطاري

Publié le 4 Décembre 2014

هي غفوةٌ على زند أمٍّ تلك الرّيح... تقرأها فتطالعك شهيّة العودة إلى الأرض الطّيبة التي لم تنجب يوماً شيئاً بالصّدفة. فالخبز هنا صلاة، والقهوة نافذة، والتّفاح "ضحكة طفل" يحملك العرّاب، أي الشّاعر الفلسطيني عبد السلام العطاري، إليها بتوقّدٍ عاشقٍ لا يكلّ من خلق صورٍ تراه فيها فارداً حرّيته نغماً حنوناً رغم المطر:
"أهيّىء من كلام الطّير مغناةً
وأطلق على جناحيه نشيدي...
وأعلي صوتي من غياهب الجبّ..."

ديوانٌ طبعاً غزّة فيه حاضرةٌ "تقف على شرفتنا تطلّ بكامل فتنتها" من حقائب الذّاكرة الملتهبة التي
"وحدها... وحدها
تعود كلّ عام مع الأمنيات"
فتزرع الأملَ أناشيدَ لليلٍ سينجلي، بفعل قدسيّة الأرض التي جُبِلَ بشرايينها:
"أحبّ المساء...
جمرةً في كوب شاي

أحبّ الشاي...
بنعناع القلوب...

أحبّ القلب...
الذي يذكّرني بتعبي

أحبّ تعبي حين يقول:

انهض لصباح جديد..."

كثافةٌ، لا غير الكثافة في حبّ هذي الأرض، بدروبها، بمواسمها، بأزهارها العابقة على اختلاف أنواعها، بالنّهر، بالجمر، بالتّنور... بكلّ ما هو اختصارٌ لها
"حتّى لا تضيع في حنجرتك أنشودة البلاد"

بيد أنّ هذا الحبّ يظلّله حزنٌ كبيرٌ أيضاً. فنرى الشّاعر أحياناً في غمرة فوضاه، كما في استسلامٍ يائسٍ يوجّهك عنوةً إلى واقعٍ مرير لا يمكنك أن تنكر وجوده خاصّةً حين يصرخ:
"أنا الطّيف المارقُ
جنازةً لا خلفها دمعة
ولا يبكيها أحد"

أو حين يقول :

"أنا سيّء الحظّ
ركلتني الرّيح في صرّة الفراغ
كنت وحدي الضّجيج

أسمع صوتي

وحدي يركلني الحظّ بين يومين"

أو حتّى حين في ابتهالٍ يحاول النّهوض معترفاً بأنّه بشرٌ، مجرّد بشر:
" فأنا لستُ ابنَ العذراء
ولا الضّريرَ البكّاءَ كان أبي

ولا ذاك الحوت بيتي،

أنا ابنُ ساريةِ الفجرِ

يحملُ زوّادةً من لبنِ الطّيرِ

مغمّسةً بأصابع أمّي"

هكذا هو، ينام "على حلم الرّغيف" يمزجه بالزّعتر فتنمو الضّحكة في الأعين قهرَ غزوٍ

"وتجيء الرّيح بحراً
تطيّرها في سماء الأغاني"

وهكذا هو، من صبر أمّه "يدقّ على كاحل الفجر أغنيته رغم المنفى، رغم الظّلّ، رغم الغربة...

فلا ريتا هنا ثانيةٌ ولا ليلى... والياسمين معطّر بالمطر‘ مكحّلٌ بالغياب...

" و... لا غير الغبار"

حتّى الميلاد حلمٌ يلتمس بعضاً من نور...

حتّى الحبّ لفافة تبغٍ، وسمُ حداد... وأمنية.

هكذا هو... وهذه هي هويّة ديوان "عرّاب الرّيح"... فاكهة فرحٍ وفاكهة حزنٍ تحاول إعداد طاولة الأمل لتملأ أخاديد الإنتظار المضني.

وهذا ما هو عليه الشّاعرعبد السلام العطاري، تماماً كما عرفناه وكما يردّد لسان حاله:

"أنا ابن تلال الزّيتون والطّيون

والسّلاسل الحجرية"

"أنا ابن البيادر والأيادي العفيّة"

"أنا ابن الدّروب العصيّة"

"أنا ابن الفصول إن ساءلتني غيمةٌ

أعود وأحيا كلّما أمطرتني الحياة"

"لم تهزمني الطّريق بعدُ

فالرّيحُ تحمل بذار المروج إلى المروج

وتنبت من جديدٍ حنّاءً يكون دمي".

الشاعرة راشيل الشدياق

بيروت في 2/12/2014

 في ديوان "عرّاب الرّيح" للشّاعر عبد السّلام العطاري
 في ديوان "عرّاب الرّيح" للشّاعر عبد السّلام العطاري

Rédigé par Rachel Chidiac

Publié dans #Univers des poètes

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article